فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة: قوله جل ذكره: {وَإلَى مَدْيَنَ أَخَاهمْ شعَيْبًا} الآيات.
ذَكَر قصةَ شعيبٍ وقصة عادٍ وثمود وقصة فرعون، وقصة قارون. وكلهم نَسَجَ بعضهم على منْوال بعضٍ، وسلك مسلكَهم، ولم يَقْبَلوا النصحَ، ولم يبَالوا بمخالفة رسلهم، ثم إن الله تعالى أهلكهم بأجمعهم، إمضاءً لسنته في نصرة الضعفاء وقهر الظالمين. اهـ.

.تفسير الآيات [41- 45]:

قوله تعالى: {مَثَل الذينَ اتخَذوا منْ دون الله أَوْليَاءَ كَمَثَل الْعَنْكَبوت اتخَذَتْ بَيْتًا وَإن أَوْهَنَ الْبيوت لَبَيْت الْعَنْكَبوت لَوْ كَانوا يَعْلَمونَ (41) إن اللهَ يَعْلَم مَا يَدْعونَ منْ دونه منْ شَيْءٍ وَهوَ الْعَزيز الْحَكيم (42) وَتلْكَ الْأَمْثَال نَضْربهَا للناس وَمَا يَعْقلهَا إلا الْعَالمونَ (43) خَلَقَ الله السمَاوَات وَالْأَرْضَ بالْحَق إن في ذَلكَ لَآيَةً للْمؤْمنينَ (44) اتْل مَا أوحيَ إلَيْكَ منَ الْكتَاب وَأَقم الصلَاةَ إن الصلَاةَ تَنْهَى عَن الْفَحْشَاء وَالْمنْكَر وَلَذكْر الله أَكْبَر وَالله يَعْلَم مَا تَصْنَعونَ (45)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

وأما ما عبدوه ورجوا نصره لهم وأملوه فأضعف منهم، ولكون شيء منه لم يغن عن أحد منم شيئًا فلم تختل سنة الله في أوليائه وأعدائه في قرن من القرون ولا عصر من العصور، بل جرت على أقوم نظام، واتقن إحكام، وصل بذلك قوله تعالى على وجه الاستنساج: {مثل الذين}.
ولما كان دعاء غير الله مخالفًا لقويم العقل، وصريح النقل، وسليم الفطرة وصحيح الفكرة فكان ذلك يحتاج إلى تدرب إلى الجلافة، وتطبع في الكثافة، قال: {اتخذوا} أي تكلفوا أن أخذوا.
ولما كانت الرتب تحت رتبته سبحانه لا تحصى، وكل الرتب دون رتبته، قال منبهًا على ذلك بالجار: {من دون الله} أي الذي لا كفوء له، فرضوا بالدون، عوضًا عمن لا تكفيه الأوهام والظنون {أولياء} ينصرونهم بزعمهم من معبودات وغيرها، في الضعف والوهي {كمثل العنكبوت} الدابة المعروفة ذات الأرجل الكثيرة الطوال؛ ثم استأنف ذكر وجه الشبه وعبر عنها بالتأنيث وإن كانت تقال بالتذكير تعظيمًا لضعفها، لأن المقام لضعف ما تبنيه فقال: {اتخذت بيتًا} أي تكلفت أخذه في صنعتها له ليقيها الردى، ويحميها البلا، كما تكلف هؤلاء اصطناع أربابهم لينفعوهم، ويحفظوهم بزعمهم ويرفعوهم، فكان ذلك البيت مع تكلفها في أمره، وتعبها الشديد في شأنه، في غاية الوهن.
ولما كان حالها في صنعها حال من ينكر وهنه، قال مؤكدًا: {وإن} وواوه للحال من ضمير- {اتخذت} أي والحال أنه أوهن- هكذا كان الأصل، ولكنه أظهر للتعميم فقال: {أوهن البيوت} أي أضعفها {لبيت العنكبوت} التي عانت في حوكه ما عانت وقاست في نسجه ما قاست، لأنه لا يكن من حر، ولا يصون من برد، ولا يحصن عن طالب، كذلك ما اتخذ هؤلاء من هذه الأوثان، وهذا الدين الذي لا أصل له فهو أوهن الأديان وأهونها {لو كانوا يعلمون} أي لو كان لهم نوع ما من العلم لانتفعوا به فعلموا أن هذا مثلهم، فأبعدوا عن اعتقاد ما هذا مثله.
ولما انتفى نفعهم بعلمهم، صح نفيه، فكانوا وإياها على حد سواء، ليس لفريق منهما شيء مما نوى، فيا لها من صفقة خاسرة، وتجارة كاسدة بائرة.
ولما كان ضرب المثل للشيء لا يصح إلا من العالم بذلك الشيء، وكان النصير على شيء لا يمكن أن يتوجه إلى معارضته إلا أن يعلمه ويعلم مقدار قدرته، وعدة جنوده، وصل بذلك أن هذا شأنه سبحانه وأن شركاءهم في غاية البعد عن ذلك، فكيف يعلقون بنصرهم آمالهم، وزاد ذلك ذاك حسنًا تعقيبه لنفي العلم عنهم، فقال إشارة إلى جهلهم في إنكارهم أن يقدر أحد على إهلاك آلهتهم التي هي أو هي الأشياء: {إن الله} أي الذي له صفات الكمال {يعلم} بما له من تلك الصفات {ما} أي الذي {يدعون} أي الذين ضرب لهم المثل، أو أنتم- في قراءة الفوقانية التفاتًا إلى أسلوب الخطاب إيذانًا بالغضب {من دونه} إشارة إلى سفول رتبتهم، وأكد العموم بقوله: {من شيء} أي سواء كان نجمًا أو صنمًا أو ملكًا أو جنينًا أو غيره، وهم لا يعلمونه ولا يعلمون شيئًا مما يتوصلون إليه، فكيف يشفعون عنده أو ينصرون منه، وإليه الإشارة بقوله: {وهو العزيز} أي عن أن يعلمه شركاؤهم أو يحيط به أحدًا علمًا، أو يمتنع عليه شيء يريده؛ وجوزوا أن تكون ما نفية، أي شيء يعتد به.
ولما كان ذلك ربما أفهم أنه لا يعلم أصلًا قال: {الحكيم} أي البالغ العلم، الواضع كل شيء يريده في أكمل مواضعه، فأبطن نفسه بكبريائه وجلاله حتى لا باطن سواه، وأظهرها بأفعاله وما كشف من جماله حتى لا ظاهر في الحقيقة غيره، وهو يغلب من شاء بعزته، ويمهله إن شاء بحكمته، فلا يغتر أحد بإمهاله فيظن أنه لإهماله.
ولما فرغ من مثلهم ومما تتوقف صحته عليه، كان كأنه قيل على وجه التعظيم لهذا المثل: هذا مثلهم فعطف عليه قوله إشارة إلى أمثال القرآن كلها تعظيمًا لها وتنبيهًا على جليل قدرها وعلي شأنها: {وتلك الأمثال} أي العالية عن أن تنال بنوع احتيال؛ ثم استأنف قوله: {نضربها} بما لنا من العظمة، بيانًا {للناس} تصويرًا للمعاني المعقولات بصور المحسوسات، لعلها تقرب من عقولهم فينتفعوا بها، وهكذا حال التشبيهات كلها في طرق للأفهام إلى المعاني المحتجبة في الأستار، تبرزها وتكشف عنها وتصورها.
ولما كانوا يتهكمون بما رأوه من الأمثال مذكورًا به الذباب والبعوض ونحوهما قال مجملًا لهم: {وما يعقلها} أي حق عقلها فينتفع بها {إلا العالمون} أي الذين هيئوا للعلم وجعل طبعًا بما بث في قلوبهم من أنواره، وأشرق في صدورهم من أسراره، فهم يضعون الأشياء مواضعها؛ روى الحارث بن أبي أسامة عن جابر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العالم الذي عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه» قال البغوي: والمثل كلام سائر يتضمن تشبيه الآخر بالأول.
ولما قدم أنه لا معجز له سبحانه، ولا ناصر لمن أخذ، وصحح ذلك بالمشاهدة في القرون البائدة، وقربه إلى الأذهان بالمثل المستولي على غاية البيان، وختم ذلك أنه حجب فهمه عن أكثر خلقه، دل على ذلك كله بقوله مظهرًا لقوته وسائر صفات كماله، بعد ما حقق أن أولياءهم في أنزل مراتب الضعف {خلق الله} أي الذي لا يداني في عظمة ولا جلال، ولا جمال ولا كمال {السماوات والأرض بالحق} أي الأمر الذي يطابقه الواقع، أو بسبب إظهار أن الواقع يطابق إخباره، أو بسبب إثبات الحق وإبطال الباطل، فلا تجد أحدًا يفهم عنه حق الفهم مع تساويهم في الإنسانية إلا وهو من أهل السكينة، والإخبات والطمأنينة، ولا يعجزه أحد يريد أخذه، ولا يفلح أحد عصى أنبياءه، فبانت عزته، وظهرت حكمته، فطابق الواقع ما أخبر به، وأيضًا فالأمثال إنما تكون بالمحسوسات، وهي إما سماوية أو أرضية، فإيجاد هذه الموجودات إنما هو لأجل العلم بالله تعالى.
ولما كان المراد بالعالم قد يخفي، بينه بقوله مشيرًا بالتأكيد إلى أن حالهم في عدم الانتفاع بالنظر فيها حال من ينكر أن يكون فيها دلالة: {إن في ذلك} أي الأمر العظيم من تأملهم لمطابقة الواقع لإخباره سبحانه، فلا يخبر بشيء إلا كان الواقع منهما أو مما فيهما يطابقه سواء بسواء {لآية} أي دلالة مسعدة {للمؤمنين} أي الذين هم العالمون في الحقيقة، حداهم علمهم بما في الكونين من المنافع المترتبة على النظام المعروف مع ما في خلقهما أنفسهما مع كبر الأجرام وبديع الإحكام، على الإيمان بجميع ما أخبر به حتى لم يكن عندهم نوع شك، وصار لهم صفة لا تنفك.
ولما أفاد هذا الخبر كله القرآن الذي لا حق أحق منه، ودل على أن فهم أمثاله يحتاج إلى مزيد علم، وأن مفتاح العلم به سبحانه رسوخ الإيمان، خاطب رأس أهل الإيمان لأنه أعظم الفاهمين له ليقتدي به الأتباع فقال: {اتل ما} أي تابع قراءته؛ ودل على شرفه لا ختصاصه به بقوله: {أوحي إليك} إذ الوحي الإلقاء سرًا {من الكتاب} أي الجامع لكل خير، فإنه المفيد للإيمان، مع أنه أحق الحق الذي خلقت السماوات والأرض لأجله، والإكثار في تلاوته يزيد بصيرة في أمره، ويفتح كنوز الدقائق من علمه، وهو أكرم من أن ينيل قارئه فائده وأجل من أن يعطي قياد فوائده ويرفع الحجاب عن جواهره وفرائده في أول مرة، بل كلما ردده القارىء بالتدبر حباه بكنز من أسراره، ومهما زاد زاده من لوامع أنواره، إلى أن يقطع بأن عجائبه لا تعد، وغرائبه لا تحد.
ولما أرشد إلى مفتاح العلم، دل قانون العمل الذي لايصح إلا بالقرآن، وهو ما يجمع الهم، فيحضر القلب، فينشرح الصدر، فينبعث الفكر في رياض علومه، فقال: {وأقم الصلاة} أي التي هي أحق العبادات، ثم علل ذلك بقوله دالًا بالتأكيد على فخامة أمرها، وأنه مما يخفى على غالب الناس: {إن الصلاة تنهى} أي توجد النهي وتجدده للمواظب على إقامتها بجميع حدودها {عن الفحشاء} أي الخصال ألتي بلغ قبحها {والمنكر} أي الذي فيه نوع قبح وإن دق، وأقل ما فيها من النهي النهي عن تركها الذي هو كفر، ومن انتهى عن ذلك انشرح صدره، واتسع فكره، فعلم من أسرار القرآن ما لا يعلمه غير {واتقوا الله ويعلمكم الله} [البقرة: 282].
ولما كان الناهي في الحقيقة إنما هو ذكر الله، أتبع ذلك الحث على روح الصلاة والمقصد الأعظم منها، وهو المراقبة لمن يصلي له حتى كأنه يراه ليكون بذلك في أعظم الذكر بقوله: {ولذكر الله} أي ولأن ذكر المستحق لكل صفة كمال {أكبر} أي من كل شيء، فمن استحضر ذلك بقلبه هان عنده كل شيء سواه إن عبدي كل عبدي للذي يذكرني عند لقاء قرنه أو يكون المراد أن من واظب على الصلاة ذكر الله، ومن ذكره أوشك أن يرق قلبه، ومن رق قلبه استنار لبه، فأوشك أن ينهاه هذا الذكر المثمر لهذه الثمرة عن المعصية، فكان ذكر الذاكر له سبحانه أكبر نهيًا له عن المنكر من نهي الصلاة له، وكان ذكره له سبحانه كبيرًا، كما قال تعالى: {فاذكروني أذكركم} وإذا كان هذا شأن ذكر العبد لمولاه، فما ظنك بذكر مولاه له كلما أقبل عليه بصلاة فإنه جدير بأن يرفعه إلى حد لا يوصف، ويلبسه من أنواره ملابس لا تحصر.
ولما كان ذلك يحتاج إلى علاج لمعوج الطباع ومنحرف المزاج، وتمرن على شاق الكلف، ورياضة لجماح النفوس، وكان صلى الله عليه وسلم قد نزه عن ذلك كله بما جبل عليه من أصل الفطرة، ثم بما غسل به قلبه من ماء الحكمة، وغير ذلك من جليل النعمة، عدل إلى خطاب الأتباع يحثهم على المجاهدة فقال: {والله} أي المحيط علمًا وقدرة {يعلم} أي في كل وقت {ما تصنعون} من الخير والشر، معبرًا بلفظ الصنعة الدال على ملازمة العمل تنبيهًا على أن إقامة ما ذكر تحتاج إلى تمرن عليه وتدرب، حتى يصير طبعًا صحيحًا، ومقصودًا صريحًا. اهـ.

.قال الفخر:

ثم قال تعالى: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتًا}.
لما بين الله تعالى أنه أهلك من أشرك عاجلًا وعذب من كذب آجلًا، ولم ينفعه في الدارين معبوده ولم يدفع ذلك عنه ركوعه وسجوده، مثل اتخاذه ذلك معبودًا باتخاذ العنكبوت بيتًا لا يجير آويًا ولا يريح ثاويًا.

.من أقوال المفسرين:

.قال الجصاص:

قَوْله تعالى: {إن الصلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمنْكَر}.
رَوَى ابْن مَسْعودٍ وَابْن عَباسٍ تَأْمر بالْمَعْروف وَتَنْهَى عَنْ الْمنْكَر.
وَقَالَ ابْن مَسْعودٍ: الصلَاة لَا تَنْفَع إلا مَنْ أَطَاعَهَا.
قَالَ أَبو بَكْرٍ يَعْني الْقيَامَ بموجبَات الصلَاة منْ الْإقْبَال عَلَيْهَا بالْقَلْب وَالْجَوَارح وَإنمَا قيلَ: تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمنْكَر؛ لأَنهَا تَشْتَمل عَلَى أَفْعَالٍ وَأَذْكَارٍ لَا يَتَخَللهَا غَيْرهَا منْ أمور الدنْيَا وَلَيْسَ شَيْء منْ الْفروض بهَذه الْمَنْزلَة فَهيَ تَنْهَى عَنْ الْمنْكَر وَتَدْعو إلَى الْمَعْروف بمَعْنَى أَن ذَلكَ مقْتَضَاهَا وَموجَبهَا لمَنْ قَامَ بحَقهَا.
وَعَنْ الْحَسَن قَالَ: مَنْ لَمْ تَنْهَه صَلَاته عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمنْكَر لَمْ يَزْدَدْ منْ الله إلا بعْدًا وَقيلَ: إن النبي صَلى الله عَلَيْه وَسَلمَ قيلَ لَه: إن فلَانًا يصَلي بالليْل وَيَسْرق بالنهَار فَقَالَ: «لَعَل صَلَاتَه تَنْهَاه».
وَرويَ عَنْ النبي صَلى الله عَلَيْه وَسَلمَ أَنه قَالَ: «حببَ إلَي منْ دنْيَاكمْ الثلَاث النسَاء وَالطيب وَجعلَتْ قرة عَيْني في الصلَاة».
وَرويَ عَنْ بَعْض السلَف قَالَ: لَمْ تَكنْ الصلَاة قرةَ عَيْنه وَلَكنه كَانَ إذَا دَخَلَ الصلَاةَ يَرَى فيهَا مَا تَقَر عَيْنه.
قَوْله تَعَالَى: {وَلَذكْر الله أَكْبَر}.
قَالَ ابْن عَباسٍ وَابْن مَسْعودٍ وَسَلْمَان وَمجَاهد: ذكْر الله إياكمْ برَحْمَته أَكْبَر منْ ذكْركمْ إياه بطَاعَته وَرويَ عَنْ سَلْمَانَ أَيْضًا وَأم الدرْدَاء وَقَتَادَةَ ذكْر الْعَبْد لرَبه أَفْضَل منْ جَميع عَمَله وَقَالَ السدي: ذكْر الله في الصلَاة أَكْبَر منْ الصلَاة. اهـ.